الأحد، 30 نوفمبر 2014

الأهلية وعوارضها

                                                                                                  بسم الله الرحمن الرحيم

ان الحمد لله تعالى , نحمده و نستعينه و نستهديه , و نؤمن به و نتوكل عليه , و نعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا و سيئات أعمالنا , و من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ,
و الصلاة و السلام على اشرف الانبياء و المرسلين على سيدنا و حبيبنا محمد عليه افضل الصلوات و التسليم .

يجب ان يكون المكلف اهلا لما كلف به لتتم صحة التكليف , و أهلية التكليف هذه تثبت للانسان ببلوغه عاقلا , و سنتكلم في بحثنا هذا عن الأهلية اولا ثم عن عوارضها .

الأهلية في اللغة :
الصلاحية و الاستحقاق و هي الجدارة والكفاية لأمر من الأمور .
و في الاصطلاح :
هي صلاحية الإنسان لأن يكون أهلاً لاستحقاق الحقوق وأداء الواجبات والالتزامات .

تنقسم الأهلية القانونية الى قسمين :
الأول : أهلية الآداء :
صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجه يعتد به شرعاً , اذا هي قدرة الشخص على مباشرة التصرفات القانونية بنفسه , و لقبول هذه التصرفات يجب ان تكون صادرة عن ارادة واعية و مدركة لهذا التصرف , فاهلية الاداء تختلف بحسب اختلاف دجة التمييز و الادراك و التمييز من عوارض تعدمه او تنقصه .

الثاني : أهلية الوجوب :
صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق الشرعية له وعليه , حيث ان الانسان بمجرد ولادته يكون صالحا لاكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات , بل و قبل الولادة في حالات محددة تكون له أهلية وجوب ناقصة , ولا تتأثر اهلية الوجوب بالمرض او السن او القدرة على التمييز .

عوارض الأهلية :
وعوارض الأهلية هي أساس التعامل والتعاقد ، إلا أن هذه الأهلية قد يعترضها بعض العوارض فتؤثر فيها، والعوارض: هي ما يطرأ على الإنسان فيزيل أهليته أو ينقصها أو يغير بعض أحكامها, وهي نوعان عند علماء اصول الفقه :
النوع الأول :
عوارض سماوية: وهي التي لم يكن للشخص في إيجادها اختيار واكتساب .
النوع الثاني :
عوارض مكتسبة: وهي التي يكون للشخص دخل واختبار في تحصيلها.
والعوارض السماوية أكثر تغييرًا وأشد تأثيرًا، مثل الجنون والعته والإغماء والنوم، ومرض الموت
والعوارض المكتسبة: مثل السكر والسفه والدين. وفيما يلي بيان لهذه العوارض

*الجنون: اختلال في العقل ينشأ عنه اضطراب أو هيجان. وحكمه أنه سواء أكان مُطبقًا (مستمرًا) أم غير مطبق (متقطع) معدم للأهلية حال وجوده، فتكون تصرفات المجنون القولية والفعلية كغير المميز لاغية باطلة لا أثر لها ولكنه يطالب بضمان أفعاله الجنائية على النفس أو المال. جاء في المادة (979 مجلة الأحكام العدلية): (المجنون المطبق هو في حكم الصغير غير المميز). ).

*العته: ضعف في العقل ينشأ عنه ضعف في الوعي والإدراك، يصير به المعتوه مختلط الكلام، فيشبه مرة كلام العقلاء، ومرة كلام المجانين. ويتميز المعتوه عن المجنون بالهدوء في أوضاعه فلا يضرب ولا يشتم كالمجنون. فالمعتوه إذن: هو من كان عليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير. وحكمه حكم الصبي المميز كما سبق، أي أن لصاحبه أهلية أداء ناقصة .

*الإغماء: تعطل القوى المدركة المحركة حركة إرادية بسبب مرض يعرض للدماغ أو القلب. وهو يشبه النوم في تعطيل العقل، إلا أن النوم عارض طبيعي، والإغماء غير طبيعي، فيكون حكمهما واحدًا في التصرفات، وهو إلغاؤها وبطلانها لانعدام القصد عند المغمي عليه.


*النوم: فتور طبيعي يعتري الإنسان في فترات منتظمة أو غير منتظمة لا يزيل العقل، بل يمنعه عن العمل، ولا يزيل الحواس الظاهرة، بل يمنعها أيضًا عن العمل. وعبارات النائم كالمغمي عليه لا اعتبار لها إطلاقًا.

*السُّكْر: حالة تعرض للإنسان بامتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة إليه، فيتعطل معه عقله المميز بين الأمور الحسنة والقبيحة. وهو نوعان: سكر بطريق مباح كالحاصل من الدواء أو البنج، أو حالة الاضطرار أو الإكراه. وسكر بطريق حرام كالحاصل من الخمر أو أي مسكر آخر حتى البيرة. والسكر بنوعيه لا يذهب العقل، بل يعطله فترة من الزمن، ويزيل الإرادة والقصد و حكمه على المشهور عند المال ..



تم بحمد الله


المراجع :كتاب الوجيز , المدخل لدراسة العلوم القانونية , مرآة الأصول


ياسمين الغامدي

القياس

القياس
القياس في اللغة: القياس في اللغة التقدير, ومنه قست الأرض بالخشبة أي قدرتها بها ، والتسوية, ومنه قاس النعل بالنعل أي حاذاه, وفلانٌ لا يقاس بفلان أي لا يساويه)) ([1])، قال الجوهري: ((قست الشيء بالشيء أي قدرته على مثاله, يقال: قست أقيس وأقوس فهو من ذوات الياء والواو, ونظائره في اللغة كثيرة, والمصدر قيسًا وقوسًا بالياء والواو من بناء أقيس قياسًا وأقوس قوسًا)) ([2])، وجاء في القاموس المحيط:((قاسه بغيره, وعليه يقيس قيسًا وقياسًا, واقتاسه قدره على مثاله فاقتاس, والمقدار مقياس)) ([3]).
أركان القياس: ((الركن الأول: ((الأصل المقيس عليه)) وهي الصورة المقيس عليها, وهو المحل المشبه به)) وهو الذي يقاس عليه الفرع بالوصف الجامع بينهما.
الركن الثاني: الفرع المقيس, وهو ما حمل على الأصل بعلة مستنبطة  منه وهو الحادثة والواقعة التي يراد معرفة الحكم لها عن طريق قياسها على مورد النص, لوجود علة جامعة بين الأصل والفرع.
الركن الثالث: حكم الأصل, وهو الحكم الذي في الأصل المقيس عليه بنص, أو إجماع, ويراد به إثباته للفرع المقيس.
الركن الرابع: العلة, وهي الوصف الجامع بين الأصل والفرع.
والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
 _ قياس الضرب على التأفيف بجامع الإيذاء.
 _ ومنها قياس النبيز على الخمر بجامع الإسكار.
 _ ومنها: قياس الأرز على البر بجامع الكيل, أو الطعم, أو الادخار.
 _ ومنها: قياس الموصى له الذي قتل الموصي على الوارث الذي قتل مورثه بجامع استعجال أمرٍ قبل أوانه.
 _ ومنها: قياس مال الصبي على مال البالغ في وجوب الزكاة بجامع وهو: دفع حاجة الفقير.
_ ومنها: قياس سؤر سباع الطير على سؤر سباع البهائم في النجاسة بجامع أن كلاً منها متولدْ من لحمٍ نجس([4]).
منزلة القياس : ((لما كان القياس من أهم مصادر الفقه الإسلامي وأكثرها اتساعًا؛ كانت منزلة سامية, ومكانته عالية, فقد أعتنى به الأصوليون فأكثروا من مسائله ومباحثه, وبينوا حجيته وأنواعه وأقسامه وشروطه, فهو مناط الاجتهاد بلا نزاع وأصل الرأي)) ([5]) ، ويقول إمام الحرمين الجويني: ((القياس مناط ت الاجتهاد وأصل الرأي, منه يتشعب الفقه وأساليب الشريعة وهو المفضي إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع مع انتقاء الغاية والنهاية, فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة مقصورة, ومواقع الإجماع معدودة مأثورة ، والرأي المبتوت به عندنا أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى بتلقي من قاعدة الشرع والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال فهو إذن أحق الأصول باعتناء الطالب ،ومن عرف مأخذه وتقاسيمه وصحيحه وفاسده وما يصح من الاعتراضات عليها وما يفسده منها, أحاط بمراتبه جلاء وخفاءً, وعرف مجاريها ومواقعها فقد احتوى على مجامع الفقه)) ([6]).
أهمية القياس ومنزلته بين الأدلة الشرعية: ((القياس ميدان فسيح, وبحرٌ عميق لا يخوض فيه إلا من أحاط بأدلة الشريعة وروحها, وأدرك مقاصدها ومراميها فهو ميزان الأصول ومناط الاجتهاد وينبوع الفقه فمن القياس يتشعب الفقه, وتعرف أسرار الشريعة الغراء, من جلب المصالح ودفع المفاسد عن الخلق ، والمصالح والمفاسد هي المقاصد التي شرع الله سبحانه من أجلها الأحكام تفضلاً منه سبحانه وتعالى وإحسانًا على عباده, ليس على سبيل الوجوب والإلزام ، والقياس هو الأصل الذي لا يقف عند حد ولا يصل إلى نهاية, فهو مختص بتفاصيل الوقائع الحضرة التي لا نص فيها ولا إجماع الوقائع المستقبلة التي يتوقع وقوعها, فإن كل واقعةٍ لا تخلو عن حكم من أصول الشريعة الغراء, من المعلوم أن نصوص الكتاب محصورة معدودة, والوقائع كثيرة غير متناهية, وثبت صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ولا سبيل إلى بيان أحكام الوقائع والحوادث المتجددة التي لا نص فيها من كتابٍ أو سنة ولا إجماع إلا بالقياس, فحاجة الناس إلى القياس لا تنقطع وثمرته لا تنتهي مادامت الحوادث تترى والزمان يتجدد, والقياس محتاجٌ إليه المجتهد والمفتي والقاضي, ولا يستغني عنه أحر, فأن المجتهد يبحث في الواقعة المعروضة عليه, كما يبحث عن علة الحكم الثابت بنص أو إجماع, فإذا ما استنبط علة حكم الأصل, ووجد تلك العلة في الفرع ألحق الفرع بالأصل في الحكم, والمفتي يلحق المسألة المعروفة عليه بنظيرها التي فيها قولٌ لإمامه, وكذا القاضي يحتاج إليه؛ فهو أساس الفقه, يمكن المجتهد والفقيه من منع اختلاط الفروع الفقهية بعضها ببعض عند التشابه, ويبين الفرق بين الفروع الفقهية المتشابهة.
القياس والرأي: ((الرأي أعم من القياس, والقياس أخص لأن الرأي قد يكون صحيحًا وقد يكون فاسدًا, ومنه ما هو مقبولٌ ومنه ما هو مردود ، لأن الرأي ينقسم إلى:
1-   باطل: وهو ما قابل المنصوص من الكتاب والسنة, ولم يكن له شاهد في الشرع وهو المبني على الهوى والتشهي فهو الرأي المقابل للحق, وهذا باطلٌ بالإجماع.
2-   الرأي المأذون فيه شرعًا: وهو المقابل للنص من الكتاب والسنة والإجماع وهذا جائزٌ, وهو ينقسم إلى رأي يتوصل به إلى فهم النصوص والمعاني, وإلى إلحاق فرعٌ بأصلٍ في حكمه لوجود علة مشتركة بينهما, والرأي المأذون فيه بمعنييه , أي بمعنى الاجتهاد, والقياس هو جائزٌ شرعًا ووقع العمل به في عصر النبوة من الصحابة, ووقع الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه, كاجتهاده في قضية أسرى بدر)) ([7]).
القياس والاجتهاد: ((الاجتهاد: هو بذل الجهد في معرفة المراد من النص, وبهذا يكون الاجتهاد أعم من القياس وشاملٌ له, لأن المعاني لا تعرف من النصوص إلا بالاجتهاد. والقياس يقصد بالقياس معرفة المراد من النص, وذلك بإلحاق الفرع بالأصل المنصوص على حكمه لوجود العلة المأخوذة من المعنى والمستنبطة منه. والاجتهاد في عرف الفقه خاصٌ بمعرفة الحكم فيما لم يرد فيه نصٌ من كتابٍ أو سنة.
حجية القياس : الحجية والتعبد: يستعمل بعض العلماء عند مناقشة هذه المسألة لفظ: ((حجية القياس وعدم حجيته)), وعبد آخرون بقولهم ((التعبد بالقياس وعدم التعبد به. فما معنى هذين التعبيرين وهل بينهما فرق: يقول الدكتور عبد الكريم النملة:
((معنى قولهم " القياس حجة " أنه إذا حصل للمجتهد ظن أن حكم هذه الصورة مثل حكم تلك الصورة, فهو مكلفٌ بالعمل به في نفسه, ومكلفٌ بالعمل به في نفسه, ومكلفٌ بأن يفتى غيره به ، أي: أن معنى قولهم "القياس حجة " أنه يجب عليه أن يعتقد أن حكم أحد المعلومين مثل حكم الآخر ، ومعنى قولهم " التعبد بالقياس ": وجوب العمل على جميع المكلفين بمقتضى القياس، والخلاصة: أنه لا فرق بينهما, حيث إن الحجية والتعبد متلازمان.
من أدلة القائلين بحجية القياس الأدلة على التعبد بالقياس شرعًا
الدليل الأول:  الإجماع: قال ابن قدامة: ((إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الحكم بالرأي في الوقائع الخالية عن النص)) ([8]) ،قال الدكتور النملة: (( الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا على إثبات القياس, وعلى العمل به, وما أجمع الصحابة عليه فهو حق فالعمل بالقياس حق)) ([9]).
الأدلة من الكتاب على حجية القياس
الدليل الأول: قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2) ، ((وجه الدلالة: أن الاعتبار هو لغة: مقايسة الشيء بغيره. وقد روى عن ثعلب أحمد بن يحيى النحوي اللغوي: أنه فسر الاعتبار بالقياس. فالاعتبار هو تمثيل الشيء بغيره, وإجراء حكمه عليه, ومساواته به, وهذا هو القياس ومنه قولهم: " اعتبر الدينار بالصنجة " قس الدينار بالصنجة, وهو الوزن. والاعتبار مأمورٌ به لقوله {فاعتبروا} فيكون القياس مأموراً به)) ([10]).
الدليل الثاني من الكتاب: قوله تعالى {فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم} (المائدة:95) ، ((وجه الدلالة : أن الله تعالى قد أقام مثل الشيء مقام الشيء, فدل ذلك على أن حكم الشيء يُعطى لنظيره, وأن المتماثلين حكمهما واحد, وذلك هو القياس الشرعي, وقد استدل بهذه الآية الإمام الشافعي في " الرسالة " )) ([11]).
الدليل الثالث من الكتاب: قوله تعالى {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} (البقرة: 26) ، ((وجه الدلالة: أن القياس هو تشبيه الشيء بالشيء , فإذا جاز ذلك من فعل العالم بكل شيء الذي لا تخفى عليه خافية ليريكم وجه ما تعلمون فهو ممن لا يعلم أولى بالجواز)) ([12]).


الأدلة من السنة على حجية القياس
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد, فأصاب فله أجران, وإن أخطأ فله أجر)) رواه البخاري ومسلم ، ((وجه الدلالة: أنه صرح بإسناد الحكم إلى الاجتهاد والرأي, والقياس نوع من أنواع الاجتهاد, بل هو في الذروة منها)) ([13]).
الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم للخثعمية: ((أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه؟
قالت: نعم, قال فدين الله أحق أن يقضى)) رواه البخاري ومسلم ، ((وجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشد ونبه الأمة على استعمال القياس, حيث إنه هنا قاس دين الله على دين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه.
فالأصل: دين الآدمي ،  والفرع: دين الله _ وهو الحج هنا _ العلة: أن كلاً منهما يطلق عليه دين, وسيطالب به إن لم يفعله. الحكم: وجوب القضاء, وتأكد النفع)) ([14]).
الدليل الثالث من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حين سأله عن القبلة للصائم: ((أ رأيت لو تمضمت ؟)) فهو قياس للقبلة على المضمضة بجامع أنها مقدمه الفطر، ((وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس القبلة على المضمضة في عدم الإفطار بجامع بينهما أن كلاً منهما مقدمة لما بترتب منها المقصود, حيث إن القبلة لم يترتب عليها هنا أربعة أركان:  الأصل : المضمضة للصائمـ ـــــ  الفرع: القبلة للصائم.
العلة: أن كلاً منهما مقدمة للإفطار, ولا يفطر. الحكم: أن القبلة لا تفطر كما أن المضمضة لا تفطر)) ([15]).
قال الخاطبي: ((في هذا الحديث إثبات القياس, والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعهما في الشبه, وذلك أن المضمضة ذريعة لنزوله إلى الحلق, ووصوله إلى الجوف, فيكون فيه فساد الصوم, كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد للصوم, فإذا كان أحد الأمرين منهما غير مفطر للصائم, فالآخر بمثابته))
أدلة القائلين بعدم حجية القياس
الدليل الأول: قوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام: 38], وقوله: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } [النحل: 89], وقوله: { وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام: 59]
وجه الدلالة: أن تلك الآيات دلت على أن الكتاب اشتمل على جميع الأحكام الشرعية فإذن: كل ما ليس في الكتاب وجب أن لا يكون حقاً ، وعندئذٍ تقول: ما ثبت بالقياس: إن دل عليه الكتاب فهو ثابت بالكتاب لا بالقياس.
وإن لم يدل عليه الكتاب كان باطلاً: أي ليس بمشروع, حكمه أن يبقى على النفي الأصلي،وعلى هذا فلا حاجة إلى القياس، الدليل الثاني: قوله تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } [المائدة: 49] ، وجه الدلالة: الآية أ فادت أن الحكم لا يكون إلا بقرآن, أو سنة, لأنهما المنزلان من عند الله, والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله – تعالى – وكل حكم لم ينزله الله تعالى يكون ابتداعاً في الدين, وهذا منهي عنه, فالقياس منهي عنه.
الدليل الثالث:  قوله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59]
وجه الدلالة: أن هذه الآية قد دلت على أن الأمة إذا تنازعت في شيء, ولم تعرف الحكم فيه, فيجب أن ترده إلى الكتاب والسنة لتعرف الحكم منهما, فأنتم خالفتم صريح تلك الآية, اورددتم معرفة حكم المتنازع فيه للرأي والاجتهاد.
المراجع
 (1) إتحاف ذوي البصائر(4/2187).
(2) إتحاف ذوي البصائر(4/2188).
(3) أدب القاضي لما ورد صـ (535_537).
(4) قواطع الأدلة _ لابن السمعاني, وانظر البحر المحيط(3/101), وحجية القياس وأقسامه(12_14).
 (6) البحر المحيط للزركشي (3/102).
(7) حجية القياس وأقسامه _ د. رمضان اللخمي ص (10-11).
(8) نيل السول على مرتقى الوصول صـ (170_ 171) _ للعلامة محمد يحيى الولاتي _ قام بتصحيحه حفيده _ بابا محمد عبد الله محمد يحيى الولاتي _ المدرس بكلية التربية بجامعة الملك سعود طبعه سنة 1412هـ 1992مـ.
(9) حجية القياس وأقسامه د. رمضان اللخمي  .
(10) الرسالة _ للإمام الشافعي.



([1]) الإبهاج شرح المنهاج للسبكي (6/2157)
([2]) الصحاح للجوهري (3/967)
([3]) القاموس المحيط مادة ق ي س.
([4]) إتحاف ذوي البصائر (6/2116_ 2117) وانظر شرح الكوكب المنير    (4/12).
([5]) دراسات أصولية في حجية القياس وأقسامه _ د رمضان عبد الودود اللخمي _ طبعة 1417هـ صـ (5).
([6]) البرهان في أصول الفقه _ لإمام الحرمين(2/743) .
([7]) حجية القياس وأقسامه _ د. رمضان اللخمي ص (10-11).
([8]) روضة الناظر.
([9]) إتحاف ذوي البصائر(4/2154).
([10]) إتحاف ذوي البصائر(4/2180).
([11]) إتحاف ذوي البصائر(4/2182).
([12]) إتحاف ذوي البصائر(4/2183).
([13]) روضة الناظر () إتحاف ذوي البصائر(4/2187).
([14]) إتحاف ذوي البصائر(4/2188).
([15])  انظر روضة الناظر, إتحاف ذوي البصائر(4/2189). 

لميس الحربي 

الأحد، 23 نوفمبر 2014

معنى الإجماع وحجيته في العصر الحاضر

معنى الإجماع وحجيته في العصر الحاضر
الإجماع لغة: هو العزم، يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه، وقد يتعدى بدون حرف الجر،فيقال: أجمع فلان كذا، بمعنى عزم، ومنه قوله تعالى: ﴿ فاجمعوا أمركم ﴾ أي: أعزموا،
وقوله - r -: (( لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل )).
ويأتي بمعنى الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه.

وأما اصطلاحاً: فهو اتفاق المجتهدين، من أمة محمد - r - على أمرٍ من الأمور في عصر غير عصر الرسول(1)


لكن يثور التساؤل حول صحة وحجية الاجماع بعد عهد الصحابة , فلا يخفى قول الامام احمد : (من ادعى الاجماع فقد كذب)
فهل اتفاق علماء الفقه في العصر الحاضر يعتبر اجماعا وحجه ؟  ام لا


الإجماع حجة ، قال تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء:115] فتوعد الله من ترك سبيل المؤمنين، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحتجون بإجماع من قبلهم، فيحتجون بما كان على عهد أبي بكر وعهد عمر فيقولون: فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أبو بكر والصحابة معه. فيحتجون بذلك.
أما مسألة من ادعى الإجماع: أولاً: الإجماع: اتفاق جميع مجتهدي الأمة في عصر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على أي حكم شرعي.
فهو من حيث الأصل اتفاق جميع المجتهدين، إلا أنه قد يتعذر ضبط الجميع، وإنما المراد اشتهار المسألة ونص العلماء عليها في كتبهم وتناقلهم، وهذه الكتب مشهورة معروفة ولا يعرف من أنكرها أو خالفها؛ لأنه لو وجدت دواعٍ للنقل والبواعث على النقل موجودة ولم يوجد من ينقل عنه المخالفة دل ذلك على عدم الوجود غالباً؛ لأن غالب الظن يحتكم إليه.
فنحن نقول: اعلم رحمك الله أن الإجماع حجة، وقول الإمام أحمد : من ادعى الإجماع فقد كذب.
على حالتين: إما أن يكون مراده رحمه الله شيئاً خاصاً، بمعنى أن قوله: من ادعى الإجماع.
يعني به الإجماع بكل شخص من الأمة بغض النظر عن كونه مجتهداً أو غير مجتهد، فهذا صحيح؛ لأنه لا يمكن اتفاق كل الأمة وإجماع كل الأمة، وهذه عبارات تأتي عن بعض الأئمة يقصد منها المصطلحات الخاصة، يعني: من ادعى الإجماع بغير المصطلح الخاص -وهو اتفاق العلماء- فقد كذب؛ لأنه لا يستطيع إثبات أن كل الأمة أجمعوا على ذلك، وقد كان الإمام أحمد رحمة الله عليه كإخوانه من الأئمة، لكن له مواقف عجيبة بديعة في الورع، فكأنه يقول: يا من تحكي الإجماع! ينبغي أن يكون عندك ورع، أي: لا تعتقد أن الأمة كلها أجمعت.
وليس المراد أن الإجماع ليس بموجود؛ لأنه هو نفسه احتج بالإجماع، ولا يختلف اثنان أن مذهب الإمام أحمد على أن الإجماع حجة، ونص الكتاب والسنة لم يخالفه رحمة الله عليه، بل إنه لما ذكر المساقاة والمزارعة حكى فيها إجماع الصحابة ومن قبلهم.
بل الإمام أحمد بن حنبل نفسه رحمة الله عليه يحكي الإجماع ويحتج بالإجماع، فمن يعرف فقه الإمام أحمد ويعرف تماماً الإمام أحمد يعرفه بالورع رحمه الله برحمته، فكأنه ينبه كل من يحكي الإجماع ألا يعتقد أنه إجماع لكل الأمة بمعناه الحقيقي، فمن ادعى الإجماع بمعناه الحقيقي لا معناه الاصطلاحي فقد كذب، ليصبح من يدعي الإجماع ويقول الإجماع من الفقهاء عنده ورع وعنده تحفظ، وهذا هو العلم: أن العلماء يضعون أشياء اصطلاحية وأشياء أصلية مبنية على اللفظ؛ لأن الإنسان مؤاخذ بلفظه، والإمام أحمد كان يتورع حتى في اللفظ، حتى الحرام يقول: أكرهه.
وكان ينفض يديه، وكان يتغير وجهه؛ أن يقول: هذا حرام.
رحمته الله برحمته الواسعة، وجزاه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء، فكان على ورع عظيم رحمه الله.
الشيء الثاني: نحن عندنا النصوص واضحة في أن الإجماع حجة، وأما مسألة أن بعض العلماء يتسامح في نقل الإجماع، فاعلم رحمك الله أن الإمام ابن عبد البر حينما ينقل الإجماع ليس من باب التساهل ولا من باب التلاعب، وينبغي لك أن تنتبه لكلمات العلماء وحذر الشيوخ من الإجماع عن ابن عبد البر بالسماع ليس المراد به أن الحافظ الإمام الحجة ابن عبد البر كان متساهلاً، كلا والله، وليس من أهل التساهل، بل هو القدم الراسخة في العلم، فهو الثبت الحجة رحمه الله برحمته الواسعة، ولكن كان له عذره؛ لأنه كان بالأندلس، ويحكي الإجماع على قدر علمه، فيخفى عليه خلاف أهل المشرق، وكان أهل المغرب يخفى عليهم خلاف أهل المشرق.
وإما إجماع النووي فإياك إياك! فإن الإمام النووي إمام فقيه وحجة، وله باعه العظيم في حكاية الإجماع ومعرفة خلاف العلماء، ولكن من الذي يفهم كلام النووي ؟! الإمام النووي يقول: واختلف أصحابنا.
ويكثر من حكاية أقوال أصحابه في خضم المسائل الخلافية، فيقول: واختلفوا هل يجوز أو لا يجوز على وجهين وعلى قولين، والأظهر والصحيح والأصح.
ثم يقول: وكل هذا إذا لم يقصر، فإن قصر فبالإجماع لا يجوز.
يعني: إجماع مذهبنا وإجماع أصحاب القولين، أي: ليس فيه قولان ولا وجهان أي: في مذهبه.
فيأتي من لا يحسن النظر ويقول: الإمام النووي حكى الإجماع في هذه المسألة، وقد أخطأ، وقد خالف المالكية وخالف الحنابلة.
وهو لا يريد الإجماع خارج المذهب، وهذه أوهام يقع فيها من لا يحسن تتبع كلام العلماء.
أما الإجماع فإنه حجة، ولا شك أنه يحتاج إلى نوع من التحري والضبط، ولا شك أن نقل العلماء المعروفين وتواتر النقل عنهم بأن هناك إجماعاً يوجب للمسلم أن يعمل بمثل هذا الإجماع.
وأقل ما يقال، وهو ختام ما نقوله: هب أنه ليس بإجماع، فإن أقل ما يقال فيه: إنه السواد الأعظم.
فإذا جاءك مثل الإمام النووي أو الإمام ابن قدامة رحمة الله عليهما ممن اشتغل بالخلاف واكتحلت عيناه بالسهر وهو يقلب في دوواين العلم، ووجد أن كل دواوين العلم تحكي ذلك، ولم يجد مخالفة، فماذا تقول؟ وأنت لو ذهبت إلى عالمين جليلين فاضلين وسألتهما، وكل منهما قال لك: لا يجوز، مثل أن نسأل مشايخنا نسأل الله أن يحفظهم وأن يجري أعمارهم بعفو وعافية ويجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، لو ذهبت إلى عضوين من أعضاء هيئة كبار العلماء وسألتهما، وقالا: لا يجوز.
فعند ذلك تحدث في نفسك طمأنينة ورضا، فما بالك بأئمة العلم ودواوين السلف الذين كانوا آية من آيات الله عز وجل في العلم والعمل، إذا كان سوادهم الأعظم على هذا القول، هل ترضى نفسك أن تشذ عنهم وتخالفهم؟؟ فإياك إياك! إذا حكي الإجماع من العلماء الجهابذة الأثبات، فإنك تأمن بهذا وترتاح نفسك وتطمئن، وتتبع سبيل أمثال هؤلاء العلماء كما قال الإمام مالك ؛ فحق على كل طالب علم أن تكون فيه سكينة ووقار،واتباع لآثار من مضى قبله.
والنقطة الأخيرة: مجمع الفقه مجمع له مكانته، وإذا اتفق العلماء في مجمع الفقه فليس بإجماع، لكنه له منزلته والفتوى منه لها منزلتها، وبالمناسبة: فإن مجمع الفقه وهيئة كبار العلماء بالتتبع والمعرفة أنهم لا يبحثون مسألة ولا يفتون في مسألة ولا يسقط قرار إلا بعد تعب شديد في تحري المسائل وتتبعها، وسؤال أهل الخبرة، وأقول: إياكم أن تظنوا أن هذه الفتاوى التي تصدر من هيئات كبار العلماء والمجامع الفقهية أنها سهلة، أحياناً بعض المسائل تدرس إلى ما يقرب من عشرة أشهر، وقد تطول إلى اثني عشر شهراً، وترجع وتؤخر لاستكمال النظر فيها، رزق الله هذه البلاد علماء عرفوا بالصلاح والخير، ووضع الله لهم القبول ووضع الله لهم الثقة بين الناس، فنسأل الله العظيم أن يوفقهم وأن يسددهم، وأن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وهذه ذمة على كل مسلم: أن يدعو لهم؛ لأن هؤلاء هم الذين يحملون الخير لهذه الأمة، ويحفظون ثغوراً عظيمة، فيكثر من الدعاء لهم، ويحسن الظن بهم، ويوثق في أقوالهم.
ونسأل الله العظيم أن يرزقنا حبهم، وأن يجمعنا بهم في دار كرامته { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ } [الشعراء:88] * { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء:89].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. (2)


(1) الوجيز في اصول الفقة
(2)     شرح زاد المستقنع – محمد مختار الشنقيطي


منال عبدالمحسن البكر 432008152